ولما رأى فرعون أن بني إسرائيل بدأوا بالفناء؛ أمر فرعون بقتل الأولاد سنةً، واستبقائهم سنةً أخرى، فلمّا حملت أم موسى به ازاد خوفها، فأخفت حملها، إلى أن وضعته، فألقى الله في روعها أن تُخفيه في تابوتٍ، وتضعه في النيل، وكلمّا خافت عليه ربطت حبل التابوت، وأرسلته، فلمّا أراد الله لموسى أن يترّبى في بيت فرعون، نسيت أمه أن تربط التابوت، وبشّرها الله حينئذٍ أنّ ابنها سيرجع إليها، وسيكون من المرسلين، وقد حظي به أناسٌ من بيت فرعون، فذهبوا به لزوجة فرعون، ومن لطف الله به أنّ زوجته إبقاء موسى في بيتها، وما علمت أنّ هلاك فرعون سيكون على يده، وقد انتفعت زوجة فرعون من موسى، بأن كانت هدايتها على يده، ولمّا جاع موسى، وأردات أن تُطعمه، لم يرضَ أن يرضع من أي امرأةٍ، وكانت أمّه قد أرسلت أخته لتتلمّس أخباره فعلمت بذلك، فأشارت إليهم على أمّها، فحقّق وعد الله وعده بإرجاع موسى لأمّه، فعاش موسى في قصور فرعون، حتى إذا بلغ من العمر أربعين سنةٍ بدأ الله بالوحي إليه، ثمّ بعد ذلك هيأ الله له أسباب الهجرة؛ بقتله للقبطي الذي اعتدى على الإسرائيلي، فصار موسى -عليه السلام- مطلوباً لفرعون، فهيأ الله له من يخبره بمطاردة فرعون له، فخرج مهاجراً إلى مدين، وسخّر الله له من الفتاتين اللتين سقى لهما بأن يتزوّج إحداهما، ويعمل عند أبيهما، وما كان ذلك إلا ببركة دعائه الصالح، وتوجّهه إلى الله لمّا خرج هارباً من ظلم فرعون.
غلا الخديدي ١/١
غلا الخديدي ١/١